ما حصل لسامي ريشي

كما علمه أبوه أن يفعل كل ثاني يوم، استيقظ سامي في السادسة صباحاً وذهب للاصطفاف في طابور المنتظرين أمام الفرن لشراء الخبز. عندما عاد في الساعة السابعة كان أبوه وأمه وأختاه ما زالوا نائمين. لف الخبز بثوب قديم كانت أمه ترتديه لأبيه حين يعود من العمل ثم ركنه على الدكّة الحجرية ثم دخل إلى المرحاض ووقف يبول مقنطراً بوله الغزير إلى الفتحة التي خرج منها في أحد الأيام جرذ وعاث فساداً في البيت.

حدث انفجار رهيب اهتز له البيت بأكمله وانقذف سامي إلى جدار المرحاض بقوة لا ترحم في الوقت الذي اندفع فيه تيار من الهواء الساخن والأتربة وقطع الحجارة والأخشاب والزجاج والدماء ولا يعرف غير الله ماذا أيضاً من طرف النوافذ المطلة على الشارع مروراً بغرفتي النوم والصالة ثم الممر الواصل إلى المطبخ والمرحاض.

هرع المسعفون من الجيران والمارة إلى المبنى المصاب وقد لاحظوا كيف أن واجهة المبنى قد انهارت بشكل كامل وعندما دخلوا إلى بيت سامي من خلال الباب المحطم اكتشفوا أربع جثث مشوهة مدفونة في الحطام ثم اكتشفوا سامي مغمى عليه على أرض المرحاض وثيابه ملوثة بالبول والدم.

نقلوه بشاحنة دايهاتسو صغيرة إلى مشفى سري تديره مؤسسة أطباء بلا حدود. هناك اكتشف الطبيب الإيطالي الذي استلمه أول وصوله كسراً في الكتف الأيسر ونزيفاً في الأذن اليمنى وارتجاجاً في الدماغ وجروحاً أخرى لا قيمة لها. لم تكن حياته في خطر ولكنهم أبقوه تحت الملاحظة في ركن في أحد الأقبية الملحقة بالمشفى ريثما يفيق من غيبوبته.

عندما فتح عينيه بعد ثلاثة أيام وجد سامي جدته تصلي وهي جالسة على كرسي بجانب سريره عندئذ قطعت الجدة صلاتها لتحتضنه وتنهال عليه تقبيلاً بفمها الأجرد فقد كانت قد نسيت طقم أسنانها في البيت حين هرعت، عندما جاء من يخبرها بالقذيفة، إلى المقبرة أولاً لتدفن ابنها وكنتها وحفيدتيها ثم إلى المستشفى لتعتني بحفيدها.

في اليوم التالي طلب الطبيب الايطالي من الجدة أن تأخذ حفيدها إلى البيت فالمكان ضيق وسيل الجرحى لم يكن يتوقف.

نقلته الجدة إلى بيتها الكائن في “صلاح الدين”. كان البيت عبارة عن ثلاث غرف إلا أنها وقبل سنة من الآن كانت قد استقبلت امرأة مع طفلها ذي السنتين ليشغلا إحدى الغرف بينما شغلت الجدة الغرفة الأخرى وتركت الثالثة للجلوس ومشاهدة التلفزيون حين تأتي الكهرباء. ولكن الكهرباء قلما تأتي فكانوا يمضون أغلب الليالي جالسين على ضوء الشموع. كان بيت المرأة التي تدعى فدوى قد دمر تماماً بينما زوجها الشاب قد اختفى عند أحد حواجز الجيش عندما كان عائداً من العمل. وكما كانت تقول: تشندلنا.

تحولت الكنبة في غرفة الجلوس إلى سرير لسامي.

شيء غريب طرأ على سامي بعد الحادث فقد أصبح مقلاً في كل شيء. أصبح أكله قليلاً وشربه قليلاً وكلامه معدوماً تقريباً. أصبحت فدوى تساعد الجدة في العناية بسامي، وكانت قد سألت الجدة عن عمر الولد فأخبرتها بأنها لا تتذكر في أي عام ولد ولكنه ربما في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة. ولكنه في الواقع في الرابعة عشرة. ابتسمت فدوى وقالت بأنه ما يزال صبياً صغيراً وهي لن تتحجب أمامه.

كان سامي أيضاً يطيل النظر إلى الأشياء. يحدق بصمت ولا ينبس بكلمة. في البداية شعرت فدوى بالحرج حين كانت تراه يحدق فيها بدون أي تعبير على وجهه ثم لم تعد تهتم، فهو مريض.

– سقم وعمى حالنا هذه الأيام، قالت فدوى للجدة وهي تشير برأسها إلى سامي، هذه الحرب لم تكن على البال.

زفرت الجدة بحزن وأسى فقد فقدت أصغر أولادها وعائلته أما أولادها الثلاثة الآخرون فيعلم الله أين هم الآن. قررت أن تصلي فهذا أفضل شيء يمكن القيام به في الوقت الحالي.

سعيد كان اسم الطفل وكان سعيداً لأنه لم يكن يفهم ما  كان يجري في المدينة، ثم أن أمه لم تكن تضربه حين يتبرز في ثيابه. وقد حسب أنه كسب شخصاً يلعب معه حين عادت الجدة ومعها سامي يحمله بعض المتطوعين من أصحاب النخوة، إلا أنه سرعان ما اكتشف أن هذا الشخص لا يلعب ولا يحكي ولا يضحك ولا يبكي، كان فقط ينظر إليه بدون أي انطباع على الوجه. مسطّح.

– سقم وعمى، ردد هو أيضاً مقلداً أمه.

كان سامي ومن مكانه على الكنبة في الصالة يسمع في الليل بكاء فدوى فقد كانت تبكي غياب زوجها وتشعر بفراقه وخاصة في الليالي. لم يعد هنا ليضمها ويقبلها وينام فوقها. كان بكاؤها خافتاً ولكن مديداً ويبدو أنها كانت أثناء ذلك تضم ابنها سعيد إلى صدرها وتقبله وفي كثير من الأحيان كان الولد يستيقظ ويشرع بالصراخ.

وفي إحدى المرات نهض سامي ليبول. فتح باب الحمام فشاهد فدوى وهي تستحم ومعها الطفل. كانت عارية تماماً وهي تحمم الطفل الذي حصرته بين فخذيها. احتضنت الطفل لتخفي ثدييها عن عيني سامي الذي وقف ينظر. سامي لم يعد يفهم أن النظر طويلاً إلى الآخرين وهم يستحمون غير لائق وحرام. طلبت منه أن يغلق الباب ولكنه ظل واقفاً ينظر حتى جاءت الجدة وسحبته وأغلقت الباب. حينئذ مسحت العرق عن وجهها فقد أصيبت بالحرج الشديد رغم إنها كانت متأكدة بأن الصبي لم ير كل شيء فقد كانت الكهرباء مقطوعة كالعادة والطاقة الصغيرة لا تدخل ضوءاً كافياً.

بعد شهرين أخذته جدته إلى المشفى ليزيلوا الجبيرة عن كتفه ولكن المبنى كان قد قصف ودمر. قالوا لها بأن المشفى لم يعد موجوداً وأن الطبيب الايطالي قد قتل ودفن في الحديقة. ذهبت به إلى عيادة أحد أطباء العظام فأزال الجبيرة وأخذ منها مبلغاً كبيراً من المال. كان الجلد محمراً وعليه بعض الالتهابات. قالت الجدة لفدوى بأن سامي كان يعاني من حكّة رهيبة ولكنه لم يكن يفهم. أصبحتا تتناوبان على دهن جسد سامي بزيت الزيتون.

أصبحت جدته تضع له كرسياً على البلكون وتجعله يجلس هناك ليعرض جسمه للهواء والشمس. كان ينظر إلى الناس في الأسفل بصمت دون أن يجول بعينيه كثيراً. كان يشاهد المارة والباعة وهم يصرخون منادين على بضائعهم. أيضاً كان ينظر إلى الأطفال وهم يركضون ويلعبون ويتصارعون. أما الأصوات فحدث ولا حرج. أصوات من كل شكل ونوع ومصدر. تعتقد الجدة أن الأصوات جيدة لحالته حتى ولو كانت أصوات المعارك والانفجارات.

كانت فدوى تنضم إليه للجلوس على البلكون وقد أخفت شعرها. تجلس وهي تفصفص بزور عباد الشمس. في كثير من الأحيان كان يحول عينيه إليها ويبقيها هناك، وعندما كانت تصنع لنفسها فنجان قهوة تطلب منه أن يتذوقها. أصبحت تتحدث إليه وبذلك صنعت منه مستمعاً محترماً لتاريخها.

أخبرته كيف خطبها محمود من أبيها رحمة الله عليه وكيف أصر محمود على إحضار مغنٍ رغم الحرب. قالت له بأن محمود شخص لطيف جداً وكان يحبها ويدللها وأنها تشعر بفراقه ولكن الله كريم فلسوف يعيده إليها قريباً. كان سامي ينظر إليها حين كانت تتحدث وحين كانت تصمت أيضاً.

كانت فدوى تساعد الجدة بالعناية بسامي فقد كانت تطعمه بيدها لأنه كان بحاجة إلى من يطعمه. حين يأكل بمفرده كان ينسى الطعام ويظل ينظر إلى الصحن ساهياً عن كل شيء حوله. كانت تمسح له وجهه وصدره بخرقة مبللة في أيام الحر أما حمامه فقد كان من مهام الجدة لأنها لا يمكن أن تتواجد حين تعريه الجدة. ولكنها كانت تفتح باب الحمام لتأخذه بعد أن يكون قد ارتدى كلسونه. كانت تأخذه من يده إلى الكنبة وتكمل إلباسه.

كانت تحب أن تلمس صدره العاري ويديه وساقيه وتتشممه بعد الحمام:

– أصبحت نظيفاً يا سامي ورائحتك مثل المسك. نيّال المرأة التي ستحظى بك.

ثم تجرأت مرة واحتضنته بشكل خاطف، وعندما هدأ ارتجاف قلبها احتضنته طويلاً حتى أنها قبلته على خديه.

كانت الجدة ترافق فدوى إلى المراكز الأمنية للسؤال عن محمود فقد كانت تخاف عليها إن هي ذهبت بمفردها. فدوى شابة جميلة وجذابة والجدة تخاف أن يتم اختطافها أو التعدي عليها واغتصابها. كانتا تجتازان الخط الفاصل بين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والمناطق الخاضعة لسلطة الحكومة. ذلك كان يستغرقهما ساعات وعندما تصبحان في الطرف الآخر كانتا تتوجهان إلى مركز أمني كبير ومشهور وهناك كانتا تتسولان أي معلومة عن محمود زوج فدوى التي كانت تبكي لكي يرق قلب العنصر الأمني فيفتح دفتره ليبحث عن الاسم والكنية ومتى اختفى وأين هو الآن. في معظم الأحيان كانوا يقولون أنه ليس عندنا، أو أنهم متأكدون أن العصابات المسلحة هي التي اختطفته، أو عودا مرة ثانية فربما عرفنا شيئاً. سقم وعمى.

وفي إحدى المرات اندلع القتال بين الطرفين عند المعبر فاضطرتا للنوم في الشارع قريباً من مبنى مدمر حتى الصباح، أما في البيت فقد نام سعيد تلك الليلة على الكنبة بجانب سامي إلا أنه لم يحك له حكاية أو يغني له. فقط سمح له أن يتوسد ذراعه ثم غرق في نومة لذيذة بينما ظل سامي مفتوح العينين يستمع إلى أصوات تبادل النيران والقذائف.

كانت فدوى والجدة تذهبان إلى السوق لشراء ما تحتاجان إليه بالتناوب. أما الآن فقد بدأتا باصطحاب الولدين. كانت هذه فكرة فدوى فبرأيها أن على سامي أن يجول في الحي ليعود طبيعياً. والسوق لا يبعد عن بيت الجدة شيئاً لأن عربات الخضروات استقرت أخيراً في الشوارع المحيطة خوفاً من القصف وأصبح التجمهر في ساحة واحدة خطراً جداً بعد أن تم قصف وتفجير عدة أسواق. كانت الأسعار ترتفع باستمرار مما يجعل المرأتين عصبيتي المزاج.

الناس لا يأبهون للخطر حتى أن الأطفال يمضون وقتاً طويلاً في اللعب في خرائب الأبنية المدمرة. أصبح سعيد ينضم إلى الأولاد ليلعب معهم بينما تتركهما فدوى لتذهب وتنهي مشترياتها بسرعة. كان سامي يجلس على الحطام يراقب سعيد دون أن يرفع عينيه عنه.

بعد ذلك أصبح سامي وسعيد ينزلان إلى الشارع بمفردهما. كان سامي يمسك بيد الصغير ويسيران في الحي في دائرة ثم ينتظره اذا أراد أن ينضم إلى لعبة ما فيجلس ليحدق فيه دون تعب أو إرهاق. تظل المرأتان قلقتين حتى يعودا خاصة عندما يشتد القتال. وفي إحدى المرات سقطت قذيفة مدفع قرب المبنى وبالتحديد على بسطة بائع بطيخ فتناثرت بقايا البطيخ الأحمر في كل الأرجاء مختلطة بدماء البائع والزبون الذي كان يشتري. كان سامي جالساً غير بعيد عن مكان سقوط القذيفة وكان ينظر باتجاه البسطة. لم يصب إلا بجزء من بطيخة. جاءت “سقم وعمى” راكضة تولول لا تلوي على شيء. كانت قد نسيت، بسبب رعبها على الولدين، أن تضع الحجاب على رأسها.

حين عادت بهما إلى البيت قالت فدوى للجدة إنها ستغيّر ثيابها وتغتسل لأنها شخّت من الرعبة.

اعتادت فدوى أن تحكي لابنها سعيد حكايات لكي تجعله ينام، أما الآن فقد راحت تحكي له في المساء أيضاً لكي لا يتأفف وينسى موضوع النزول إلى الشارع للعب. كانت تضع ابنها في السرير وتجلس إلى جانبه وتحكي له عن الأميرات والأمراء والجنيّات أيضاً. ومؤخراً ضمت سامي إليهما ليستمع إلى الحكايات فقد أصبحت تميل إليه بشدة وتسعد بوجوده. كانت تجلس في الوسط بينما يلوي الولدان رأسيهما ينظران إليها على ضوء الشمعة. كانت فدوى معين لا ينضب من الحكايات حفظتها عن أمها وجدتها، وفي كثير من الأحيان كانت تخترع حكايات من عقلها. وعندما كانت تتوقف لتتمخط أو لتسلك حنجرتها كان سعيد يلكزها وهو يأمرها: “أكملي بسرعة”. وفي إحدى المرات نام سعيد دون أن تشعر به أمه التي استمرت في سرد حكايتها فقد كان سامي يستمع وهو ينظر إليها. توقفت فدوى لتتفقد ابنها الذي يغط في النوم فلمسها سامي وقال لها: “أكملي..” استدارت إليه متفاجئة فقد عاد إلى الكلام.

أمسكت به وهي سعيدة وهي تردد:

– أنت حكيت.. سامي أنت حكيت.

ولم تجد نفسها إلا وهي تقبله ثم نهضت فرحة لتخبر الجدة. كان ذلك يوم عيد. في الليلة التالية مال عليها دون إنذار وقبلها على خدها. وقف شعر رأسها. نظرت إليه مستغربة فوجدته ينظر إليها بعينيه السود الواسعتين. يا إلهي كم هو جميل هذا الصبي. جماله يشفع له.

أخذ سامي كرسياً ونزل إلى الشارع ليجلس على باب المبنى. فهمت المرأتان بأن روحه قد طقت من الجلوس في البيت وأنه يريد أن يتسلى. جلس يتفرج على المارة والباعة المتجولين. سدد نظره إلى بائع البندورة وتحول إلى تمثال. أصبح الناس في الشارع وكل الحارة يعرفونه ويعرفون علته حتى أن بعض الباعة يأتونه بشيء يأكله. في ذلك اليوم قدم له البائع حبة بندورة بعد أن غسلها بماء عكر وراح سامي يأكلها ويشرق عصيرها.

بعد مدة أنزلت فدوى ابنها ليجلس مع سامي ولكنها لم تجده. وجدت الكرسي فارغاً. نظرت إلى هذه الجهة وتلك ولكن لم تر للصبي أثراً. صعدت إلى الجدة وأخبرتها ثم نزلت للبحث عنه في الشوارع المحيطة. سمعت إطلاق رصاص كثيف وبعض الانفجارات فصعدت الحرارة إلى رأسها.

مشى سامي في الشوارع المحيطة ببيت الجدة. كان يتذكرها بشكل جيد ثم تجاوز المحيط وسار. كان ينظر إلى الأمام ويسير. رأى الكثير من الأبنية المدمرة كما شاهد بعض المسلحين متمركزين في أطلال الأبنية المصابة بالقذائف. انعطف نحو اليمين فشاهد تلالاً من الأتربة وحطام الأبنية وبعض السيارات المحترقة تسد الشارع. كان يسمع إطلاق النار من حوله وبشكل قريب هذه المرة. وقف ينظر إلى التلال والى الأبنية في ما بعد التلال. كعادته كان واقفاً يحدق. مرت رصاصة قرب رأسه ثم أصابت أخرى لافتة معدنية خرمتها الطلقات تدعو السائقين للانتباه بسبب وجود أطفال يعبرون الشارع. على مسافة خمسين متراً رأى جثة امرأة منبطحة وقد ارتدت معطفاً وغطت رأسها بحجاب أسود.

شعر فجأة بشخص يمسك به ويركض عائداً به إلى المنعطف. سقط سامي على الأرض فبقي جالساً. كان الرجل مسلحاً ببندقية آلية ويرتدي بدلة مموهة ويلف رأسه بكوفية. كان يصرخ عليه ويؤنبه. تجمع حوله مسلحون آخرون. من أنت؟ هل أنت مجنون؟ هناك قنّاص من الجيش يطلق النار على الناس. ظل سامي جالساً ينظر إلى الشخص الأول فقط. أخيراً فهموا أنه ليس على ما يرام ولديه مشكلة. عندها أنهضه أحدهم ومشى به إلى مبنى مصاب بقذائف وأجلسه في ما يشبه الغرفة ولكن دون واجهة. قال له: اقعد هنا ولا تتحرك!

جلس وراح ينظر إلى الخارج دون أن يلتفت. كان المسلحون يأتون ويذهبون. يدخنون ويتناقشون بينما واحد منهم يتحدث باستمرار في جهاز لاسلكي.

قدموا له الشاي ثم قطعة خبز ثم أعطوه لوحة مربعة من خشب المعاكس معلقة على عصا مكتوب عليها “احذر، قنّاص..” وطلبوا منه أن يقف قبل المنعطف ليحذر الناس. وقف هناك دون حراك ممسكاً باللوحة. الآن أصبح ينظر إلى شقة محترقة. جاء رجل مسن محني الظهر وعندما شاهد اللوحة عاد من حيث أتى. أصبح مفيداً.

هبط الظلام. جاء مسلح وعاد به إلى حيث شَرِبَ الشاي. سألوه عن اسمه واسم أبيه وعائلته. سألوه أين يسكن. أخيراً قال أحدهم إنه ربما يسكن في الطرف الآخر وبما أنه جاء ليعبر فمن الأفضل أن يدلوه على طريق آمن ليصل إلى الناحية الأخرى.

أخذه الذي قال ذلك من يده ومشى به في طرق مختلفة حتى أنه مشى به من شقة مدمرة إلى أخرى عبر فتحات في الجدران. أخيراً قال له بأنه الآن في الطرف الآخر ودله كيف يسير حتى يصل إلى تلك الأنوار التي هي لشارع تسير عليه السيارات. صافحه ودعا له بالتوفيق ثم عاد المسلح من حيث جاءا. مشى سامي باتجاه الأنوار حتى وصل إليها، وهناك نام على مقعد في حديقة.

“سقم وعمى” قالت فدوى وهي جالسة على الكنبة بينما ابنها نائم يتوسد فخذها. كانت الجدة جالسة على الأرض. كان الصمت والقلق مخيمان على البيت. لقد بحثتا عن سامي طوال اليوم دون جدوى. قالت الجدة بأنها ما كان عليها أن تسمح له بالنزول بمفرده إلى الشارع. قالت فدوى بأنها هي السبب فقد كان عليها أن تنزل للجلوس معه فردت عليها الجدة بأن لا ذنب لها.

لقد ضاع سامي أو ربما قتل فقد سمعتا تبادلاً قوياً للنيران قريباً من الحي. أو ربما هو جريح في أحد المستشفيات السرية التي اعتادوا إقامتها في أقبية الأبنية. ولكن الجدة لم تكن تشعر بانقباض في صدرها كما شعرت قبل أن يقصف بيتهم، قالت ذلك وهذا برأيها دليل على أن الصبي بخير. قالت فدوى من فمك لأبواب السماء، هيا بنا ننم والصباح رباح.

استلقتا كلٌ في سريرها. ولكن فدوى لم تغفُ لتوها فقد اعتادت أن تفكر بمحمود قبل النوم، أما تلك الليلة فقد فكرت بمحمود وسامي معاً.

استيقظ سامي قبل طلوع الشمس وعاد للسير. كان يشعر بجوع خفيف ولكنه لم يكن يمتلك المال لشراء سندوتش فلافل. كان يتذكر تلك الأحياء أيضاً فقد كان يحب المشي في الماضي وقد جال كل هذه الأرجاء على قدميه قبل أن يشتري له أبوه دراجة هوائية. أين هي الآن؟ من المفترض أن تكون مربوطة بأنبوب تصريف المياه خارج العمارة. هل يمكن أن تكون الدراجة سليمة بالرغم من دمار العمارة؟

لاحظ بأن الدمار في هذا الجزء من المدينة أقل منه بكثير عما في منطقتهم، كما لاحظ أن الكهرباء متوفرة أكثر ولكنه لاحظ أيضاً أن المنطقة تعج باللاجئين الهاربين من قصف جيش الحكومة العشوائي لمناطقهم.

وجد نفسه في مواجهة حاجز عسكري. كان عبارة عن براميل وعليها أكياس الرمل وجرى تضييق الشارع لكي تتوقف السيارات عند الحاجز الواحدة تلو الأخرى. كانت البراميل ملونة بالعلم الوطني بينما ألصقوا صور رئيس الجمهورية بالبدلة العسكرية في كل مكان. كانوا يدققون بهويات ركاب ميكروباص.

وقف كعادته وراح يحدق بالحاجز والعساكر والسيارات. وكالعادة لم تدر في ذهنه أي فكرة ولم يكن يركز على شيء البتة، فقط كان يقف وينظر ساهياً عن كل ما حوله. بدأت حركة الناس والحافلات تزداد ولفت انتباه البعض. انتبه إليه أيضاً أحد الجنود على الحاجز. نبه الجندي رئيسه فوقف هذا وراح ينظر إلى الصبي ثم أمر الجندي ليذهب ويحضره على أن يتأهب لكل طارئ.

أوقفوه أمام القائد وفتشوه. لم يجدوا معه ولا نكلة. لا أوراق ولا نقود ولا مفاتيح. جيوبه تصفر صفيراً. راح القائد يستجوبه:

– ما اسمك وما اسم أبيك أو أمك؟ أين تسكن وماذا تفعل هنا؟ لماذا تقف وتنظر إلينا؟ هل أرسلك أحد لتتجسس علينا؟

سأله عن كل شيء يخطر في البال ولكن سامي كان ينظر إلى رتبة القائد المرقومة على كتفيه. نهض الضابط وصفعه على خده بقوة أطاحت به وسقط على الأرض. جلس ولم ينهض. أمروه أن ينهض ولكنه لم يفعل. ربما لم يكن يفهم ماذا يريدون منه أن يفعل. استل القائد مسدسه من حزامه وخرطشه ثم أمره من جديد أن يقف على قدميه. قال أحد الجنود: فالج لا تعالج. كاد أن يطلق النار على ما بين تلك العينين اللتين تنظران إليه بثبات لولا أن صاحت امرأة من نافذة ميكروباص متوقف للتفتيش ترجو القائد:

– يا سيدي ألا ترى أن الولد مسكين؟

– مسكين؟ سأل الضابط وقد رفع عينيه فشاهد كيف أن جميع الجنود وركاب الحافلات والناس المتجمهرين ينظرون إلى ما يجري. فقالت المرأة:

– نعم، إنه متخلف. يظهر عليه أنه غير طبيعي، سامحه فقلبك طيب.

فكر الضابط للحظة ثم ابتسم وأعاد المسدس إلى خصره ثم مد يده ولمس رأس الصبي برفق.

أجلسوه على حجر وقدموا له الشاي. ثم وصل الإفطار وكان عبارة عن قصعة فول وكيلو بصل فطلبوا منه أن يشاركهم. كان جائعاً فالتهم ما قدموه له بشراهة. بقي جالساً ينظر فحسب إلى كل سيارة تقف للتفتيش دون أن ترمش له عين. كان الضابط يراقبه وفجأة خطر في باله أن يقدم له سيكارة. أمسك بها سامي واحتار في البداية ماذا يفعل بها. ساعده الضابط ليضعها بين شفتيه ثم أشعلها له. تذكر سامي كيف كان أبوه يدخن فراح يفعل المثل، إلا أنه راح يسعل. ضحك الضابط وضحك الجنود ثم طلبوا منه الرحيل.

ظل سامي يتجول في شوارع منطقة الحكومة لثلاثة أيام. كان في معظم الأحيان يضيّع طريقه ولكن سرعان ما يجد شارعاً يتذكره. مر من أمام معظم البيوت التي يسكن فيها أناس يعرفهم مثل بيت خالته صبيحة التي كانت معلمة مدرسة وكانت تعطيه النقود كلما التقى بها. إلا أنه لم يطرق بابها بل وقف ساعات أمام بيتها ينظر إلى السور الذي أضافوا إليه ألواح الصاج ليمنعوا العيون من التطفل. لم يكن ير سوى ألواح الصاج الأسود.

أيضاً مر من أمام بيتين لرفيقين في المدرسة. وقف لمدة ساعة أمام كل عمارة منهما.

كان ينام في الحدائق العامة وفي المدارس التي حولوها إلى ملاجئ للنازحين من مناطق المعارضة.

وفي إحدى المرات قبض عليه شرطي مسلح ببندقية آلية وهو نائم على العشب وقاده إلى القسم وهناك عجزوا عن أن يجعلوه يتكلم فتركوه يرحل.

فجأة خطر في باله الذهاب ليتفقد دراجته.

وجد نقطة العبور إلى الجهة الأخرى بسهولة فاجتازها ثم اخترق مجموعة المباني عبر الفتحات في جدران الغرف كما علمه الرجل المسلح. كان يقابل العديد منهم ويتركونه يمر، وأخيراً وصل إلى المنعطف حيث يتواجد القنّاص. وجد لوحة التحذير مركونة هناك لتحذير الناس فوقف لصق الجدار رافعاً اللوحة.

بعد قليل جاء عدد من المسلحين الذين عرف البعض منهم في المرة الأولى. رحبوا به. صافحوه وربتوا على كتفيه بسعادة. شعر هو أيضاً بالسرور لأنه التقى بهم من جديد. قدموا له قدحاً من الشاي وتفاحة ثم تركوه يقوم بعمله.

في ذلك الوقت كانت المرأتان ومعهما سعيد تبحثان عنه في المشافي العلنية والسرية كما سألتا عنه في بعض المساجد. كانت النتيجة صفراً، ومن حظهما أنهما عادا إلى المنزل قبل أن يندلع قتال عنيف جعل الشوارع تخلو من المارة.

ركن سامي اللوحة إلى الجدار ثم مشى مبتعداً. كان يعرف كيف يصل إلى بيتهم المدمر ليتفقد الدراجة. مشى ملتفاً حول المناطق الساخنة حتى وصل إلى ما كانت يوماً عمارتهم. كان القسم الأمامي منها قد تهدم بينما بقي القسم الخلفي قائماً. وقف ينظر. شاهد النصف الآخر من الغرف والممر المفضي إلى المطبخ والحمام والمرحاض حيث كان عندما ضربت القذيفة المبنى. شاهد لوحة لجبال الألب السويسرية ما تزال معلقة على الجدار في مواجهة السماء.

عوضاً عن الدراجة شاهد في المقدمة ركام ما تهدم من المبنى. ظل واقفاً ينظر إلى الأعلى. تعرف عليه صاحب الدكان الذي يبيع كل ما يخطر على البال والقريب من عمارتهم. كان رجلاً كريهاً ولكنه اقترب الآن وكلمه بلطف وهنأه بالسلامة. سأل عن حاله وأين يسكن الآن. سأله عن أمور كثيرة وترحم على أبي سامي وأم سامي وباقي الأموات. لم يفتح سامي فمه بل ظل ينظر إلى الأعلى. أمسكه من ذراعه وقاده إلى الدكان وهناك قدم له كازوزة وجعله يجلس ليشربها بهناء. ثم قدم له حقيبة مغبرة وقال له إن فيها أشياء تخصهم، كانت متناثرة هنا وهناك على حطام بيتهم وهي ملكه الآن.

شرب الكازوزة وظل جالساً لفترة ينظر إلى مطربان من الزجاج يحتوي على قطع حلوى ذات ألوان جميلة. نهض وغادر الدكان حاملاً الحقيبة. نسي أن يسأل البائع عن الدراجة. بعد نصف ساعة كان يصعد درج بيت الجدة.

فتحت فدوى الباب فوجدته أمامها يحمل حقيبة سفر متوسطة الحجم. صاحت تخبر الجدة: يا حاجة رجع سامي. الطفل راح ينط وهو يردد كلام أمه. جرته فدوى إلى الداخل ثم احتضنته وقبلت رأسه عدة مرات. ضغطت جسده إلى جسدها بقوة من فرحها ثم أفرجت عنه. جاءت الجدة وقد كانت في قيلولة واحتضنته هي الأخرى وراحت تقبله: تقبر عظامي يا سامي.. تقبر عظامي. كان مستسلماً للعناق والقبلات وهو يستمر في النظر إلى سعيد.

أرادتا أن تعرفا أين كان ولكنه لم يقل شيئاً. أين كنت؟ هل ضعت ولم تعرف طريق العودة؟ أين كنت تنام؟ هل أنت جائع؟ ثم تذكرا الحقيبة المتروكة قرب الباب، هل كنت مسافراً؟

فتحت فدوى الحقيبة فوجدتها مليئة بأشياء تخص سامي وأبيه وأمه وأختيه. أشياء مثل كتب مدرسية وقميص نوم نسائي وكرافتة وسترة الأب وفيها محفظته التي تحتوي على بعض الأموال وعلبة ماكياج وحذاء بناتي وأوراق ملكية البيت المدمّر وبعض الصور لأفراد الأسرة يظهرون فيها سعداء وضاحكين، وأشياء أخرى مثل بطاقة سامي المدرسية وشهادة نجاحه في الصف السادس وتظهر فيها علاماته الجيدة جداً.

قالت الجدة وهي تنظر إلى الصورة التي على بطاقته المدرسية:

– ما أجملك يا سامي. فأمسكت به فدوى من جديد وراحت تقبل رأسه:

– لَكَ فقدة يا سامي، خفنا عليك من السقم والعمى.

بعودة سامي استعاد البيت هدوءه وطمأنينته ولكن الأمور لم تكن على ما يرام في المدينة فقد كانت المعارك تشتد بين حين وآخر بينما القذائف تهدد الجميع فلم يكن أحد يتنبأ متى ستسقط وعلى رأس من ستنفجر إحدى هذه القذائف أو الصواريخ. أما الشيخ عبد الرزاق، ذو الهيئة الدميمة والصوت الحلو، فلم يكن ينتهي من الإعلان، في مكبر صوت مئذنة مسجده في الحي، عن انتقال فلان أو علاّن إلى جوار ربه حتى يأتيه خبر موت جديد لأحد سكان الحي وعليه أن يذيعه على الملأ فوراً. كانوا يدفنون القتلى فوراً أما المآتم فكانت تجري في صالة المسجد مساءً وعلى ضوء الشموع بينما الشيخ عبد الرزاق يتكفل بقراءة ما تيسر من السور من القرآن على عجل لينفضّ المأتم بأسرع ما يمكن.

عادت فدوى لسرد الحكايات في سريرها بينما يستلقي إلى جانبيها كل من سعيد وسامي. كان سامي يتابع الحكايات وهو ينظر إليها بينما سعيد ينام قبل أن تنتهي الحكاية. وفي ذلك اليوم كانت تحكي بصوت خافت مشحون حين شعرت بسامي يلمس ذراعها برقة ثم صعدت يده إلى وجنتها وراحت تختبر نعومتها. تركته يفعل ذلك دون أن تبعد يده التي انتقلت إلى شعرها. ثم قرب شفتيه ولمس بهما أعلى ذراعها قريباً من الكتف. نظرت إليه فواجهتها عيناه السوداوان الجميلتان والرطبتان. ابتسمت له ثم مدت يدها ومسحت على خده. كادت تعود إلى إتمام الحكاية لولا أنها نظرت إلى جسده المستلقي بجانبها مع التصاق خفيف بها فشاهدت وسطه مرتفعاً على شكل خيمة. توسعت عيناها واجتاحتها موجة شبيهة بالكهرباء ولم تعرف ما تفعل بعينيها أو بفمها الجاف وشعرت بقلبها يغور في صدرها فخبأت وجهها في يديها وراحت تحاول التحكم بتنفسها.

ودون أن ترفع يديها عن وجهها طلبت منه أن يذهب إلى الصالة للنوم. نهض الصبي عن السرير. أزاحت إصبعاً فرأته يتجه نحو باب الغرفة دون أن يهدأ وسطه. نظرت إلى وجهها في المرآة فوجدته أحمر بينما كانت تبتسم بحرج كبير.

وفي اليوم التالي كانت تبتسم له كلما نظرت إليه. كان يحاول أن يبقى إلى جانبها باستمرار وعندما كانت تنظر إليه كانت تلاحظ كم هما ساحرتان ومشعتان عيناه. كان يحب أن يلمس ثيابها أو أي شيء يخصها حتى أنه كان يهرع ليلبي طلباتها.

وفي ليلة اشتد فيها القتال قرب الحي، أو ربما كانت المعارك تدور في الحي ذاته. جلسوا صامتين على ضوء شمعة وحيدة. نامت الجدة على سجادتها التي تصلي عليها بينما ظل سعيد ينق ويبكي خوفاً ومللاً. حاولت أن تحكي لهما حكاية ولكنها لم تتمكن من التركيز فهي أيضاً كانت خائفة. لكي تسكت ابنها وضعته في حجرها وألقمته ثديها. سكت الولد وراح يمتص الحليب. كان سامي ينظر. اقترب وراح يلمس الثدي. تركته يفعل فقد كان مشغولاً جداً بصدرها وليونة الثدي ثم مد يده ليخرج الثدي الآخر. حاولت منعه إلا أن الثدي كان قد تحرر فقرب وجهه ليمسك الحلمة بفمه عندها أوقفته وهي تضحك.

لا يا سامي لا، هذا ممنوع.. أنت لست صغيراً. أطاعها دون أن يفقد بريق عينيه. ظل ينظر حتى نام سعيد فأعادت ثديها إلى داخل ثوبها. أسند سامي رأسه على كتفها وقرب أنفه من عنقها متمتعاً برائحتها وبقي هكذا حتى هدأت المعارك وحان موعد النوم.

في الصباح ارتدت فدوى ثيابها ووضعت حجابها على رأسها تخفي شعرها ثم أخذت ابنها ونزلت إلى الشارع لتشتري له حلوى تجعله يصبر ويتوقف عن النق. كان الصباح هادئاً بعد أن توقف القتال في الليل. اشترت قطع الحلوى له ولسامي ثم اشترت باذنجان وبندورة وبرتقال وشموعاً وعلبة سكائر فقد راحت نفسها تهف لإشعال سيكارة من حين لآخر. حملت مشترياتها بيد وأمسكت يد ابنها بيدها الأخرى وشرعت بالسير باتجاه بيت الجدة حين سمعت صفيراً قصيراً جداً ثم انفجرت قذيفة.

انفجرت القذيفة في وسط الشارع مخلفة الأشلاء والدماء والغبار والحطام. حل الصمت وسط الغبار الكثيف ما عدا أصوات سقوط حطام هنا وهناك. بعد ذلك بنصف دقيقة بدأ الصراخ والبكاء وبدا الناس بالركض هرباً أو للبحث عن الجرحى. من ضمن الأصوات كان صوت بكاء سعيد وهو يصرخ: ماما.. ماما..

انشق الغبار عن الجدة وعن سامي يركضان بهلع قادمين للبحث عن فدوى وابنها. شاهد سامي الطفل سعيد منحن على جسد أمه الذي كان مشلوحاً ومنثنياً ومشوهاً. ركض إليهما تلحقه الجدة وهي تولول ممسكة برأسها. هبط على ركبتيه وتلمس الجسد الدامي والمغبرْ. كان الدخان يتصاعد من ثيابها. أمسكت الجدة بالطفل بينما راح سامي يتلمس فدوى. راحت الدموع تنهمر من عينيه لا يعرف ماذا يفعل. أراد أن يبكي، أن يضرب نفسه أو أن يصرخ ولكنه لم يستطع. انثنى على نفسه ثم سجد ممسكاً برأسه الذي لا يطيعه. حاول مرات عديدة أن يصرخ.

إلا أنه تمكن أخيراً من الصراخ. صرخ بقوة. كادت أحشاؤه تخرج مع الصرخة إلا أنه استمر في الصراخ. استقام ورفع وجهه إلى السماء وهو يصرخ.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s